بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 12 سبتمبر 2011

يامصريين ... لقد رحل الرجل الذي أعاق تقدمكم

لن أرحم أحدا يمد يده إلى المال العام حتى لو كان أقرب الأقرباء ، إننى لا أحب المناصب ولا أقبل الشللية وأكره الظلم ولا أقبل أن يظلم أحد وأكره استغلال علاقات النسب ( 18 أكتوبر 1981 جريدة مايو ) ..
الكل سواء عندي أمام القانون ونحن لا نريد قانون الطوارئ ( 20 أكتوبر 1981 جريدة نيويورك تايمز ) ..
لن أقبل الوساطة وسأعاقب لصوص المال العام ( 26 أكتوبر 1981 مجلة أكتوبر ) ..
مصر ليست ضيعة لحاكمها ( المصور 30 أكتوبر 1981 ) ..
الكفن مالوش جيوب ، سنعلى من شأن الأيادي الطاهرة ( خطاب له فى فبراير 1982  ) ..

هكذا بدأ عهده وفي السجن انتهى به المطاف وعن الجانب الاقتصادي فقط سأحدثكم

ذلكم كان الرئيس المخلوع حسني مبارك  وتلكم مصر التي حكمها حسني مبارك دولة بحجم مصر تتصدر دول الجوار من حيث الموقع الاستراتيجي والمساحة وعدد السكان والثروات الزراعية والحيوانية والخيرات المائية والموارد البشرية والإمكانات السياحية والطاقة الإنتاجية والتاريخ العريق والحضارة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ القديم والحديث

تلكم  مصر التي حققت تأخرا اقتصاديا ملحوظا منذ تولى مبارك الحكم فبعد أن كان ترتيب مصر على العالم رقم 44 تراجعت الآن إلى المرتبة الـ120 وأصبح يسبقها فى الترتيب معظم الدول العربية حسبما جاء فى تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية لهذا العام

 وفى عهد مبارك أصبحت مصر تتسول لقمة الخبز باعتمادها على المعونات الأجنبية فى توفير القمح والسلع الغذائية الأخري، وتدنت الخدمات بزعم الزيادة السكانية الرهيبة التى بلغت 70 مليون نسمة، بينما الهند مليار نسمة والصين 3.1 مليار تصدران الغذاء إلى الخارج. والأكثر دلالة على تدهور الاقتصاد المصرى وبلوغه القاع أن الدولار زاد أكثر من 80 قرشا فى بداية تولى مبارك الحكم حتى بلغ العام الماضى 700 قرش، ثم تراجع قليلا إلى 580 قرشا، حتى أن قيمة الجنيه بعد أن كانت هى الأقوى بين كل العملات العربية، أصبحت الآن الأقل فأصبح الريال يعادل 160 قرشا بعد أن وصل من قبل إلى 200 قرش، أى أن الريال السعودى تضاعف مقابل الجنيه 10 مرات

سيخلّد التاريخ ذكرى مبارك لأنه تمكن خلال ثلاثين عاما من الحكم من أن يقود مصر بمنتهى الجدارة إلى هاوية اقتصادية سحيقة

في عهد مبارك باتت مصر تستورد القطن بعدما كانت تصدّره، وتستورد القمح بعدما كانت تزرعه، ووفقا لبعض الخبراء فإن مصر قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح مما يتوافر لديها من أراض زراعية خصبة وموارد نهر النيل المائية وطاقات بشرية، إلا أن مبارك كرجل أعمال وليس كرئيس دولة جعل القاهرة تحتل المرتبة الأولى عالميا في استيراد القمح ليبلغ واردات مصر من القمح 13 مليون ولا يزيد إنتاجها المحلي عن 2 مليون

عندما تسلّم مبارك الحكم في أواخر عام 1981، كان حجم الدين المحلي نحو 4.1 مليار جنيه. أما عشية خلعه فوصل إلى 888 مليار جنيه
أما الدين الخارجي فقد ارتفع من 25 مليار دولار في العام 1981 إلى 50 مليار دولار عشية حرب تدمير العراق عام 1991
برنامج الخصخصة الذي بدأ تطبيقه عام 1992، وبمقتضاه تم بيع 194 شركة (نصف شركات القطاع العام)، ومعظمها كان يحقق أرباحاً، بنحو 50 مليار جنيه، بينما كان التقدير الأولي لأصول هذه الشركات الـ 388 بنحو500 مليار جنيه

معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في مصر في عهد مبارك من 9.4% سنويا إلى أقل من 3.6%، وتحولت مصر إلى دولة احتلت المركز الثاني عالميا في حجم المساعدات الخارجية التي تحصل عليها من الولايات المتحدة، ونحن نعي تماما التداعيات السياسية الناتجة عن الاعتماد على الآخر

بند السهو والخطأ في ميزان المدفوعات الذي يجمع خبراء الاقتصاد على أنه يعكس حجم الأموال المهربة، سجل نحو 7.5 مليار دولار بين العامين 2000 و2007وما جرى تهريبه من خلال هذا البند بين العامين 1991 و2010 يتجاوز 42 مليار دولار

بند الاعتماد الإجمالي الذي يوضع غالباً لمواجهات حالات الطوارئ كانت  المبالغ المرصودة لهذا البند عام 1962 خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر 16.5 مليون جنيه وكانت تستخدم لتعزيز الأرباح الموزعة على عمال القطاع العام والتعويض على الفلاحين في حال تعرّضهم لأي خسارة أما خلال عهد مبارك فقد وصلت هذه المبالغ التي لا يحق لمجلس الشعب أن يراجع كيفية إنفاقها إلى نحو 16.5 مليار جنيه وقد استخدمت لتعزيز مكافآت ضباط الشرطة والجيش في ما سمي بـ"علاوة الولاء"


ووفق الجهاز المركزي للمحاسبات فإن هناك 8900 صندوق خاص نقل خلسة إلى المحافظين ورؤساء الجامعات وفق المادة 20 من قانون الموازنة العامة لرئيس الجمهورية رصيد إيرادات هذه الصناديق بلغ في العام 2009 حوالى 80 مليار جنيه، وكان حجم مصروفاتها نحو 61 مليارجنيه ما يعني أن هناك فائضاً بنحو 20 مليار جنيه يجري تداوله خارج نطاق الموازنة العامة للدولة

حجم التكاليف التي انفقتها الدولة بين العامين 1982 و2010 قاربت 400 مليار جنيه في قطاع البناء وقد حملت بنسب عمولات تتراوح بين 10 و15 في المئة أي أن 40 إلى 50 مليار جنيه ذهبت عمولات ورشى.

 و حجم الأموال المنهوبة من خلال عمليات الفساد بين العامين 1991 و2011، بنحو 500 مليار دولار كحد أدنى جرى تهريب معظمها إلى الخارج

ففي مارس 2010 اختفى تريلون و272 مليار جنيه من ميزانية الدولة وجرت محاولة حكومية لعدم إعطاء أي معلومات عنها كما أشار تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن وجود صناديق خاصة تحوي هذه المبالغ الضخمة دون معرفة أين تذهب؟ وهو مبلغ يساوي 14 مرةً ضعف العجز الذي تعاني منه الموازنة ولو وزع على كل مواطن مصري لأصبح نصيب الفرد 16 ألف جنيه


وفي تقرير لـ "مركز الأرض لحقوق الإنسان" بأن أكثر من 39 مليار جنيه أهدرت في الآونة الأخيرة على خزانة الدولة بسبب الفساد المالي والإداري في الحكومة المصرية

بالإضافة إلى أن هناك خسائر قدرت بحوالي 80 مليار جنيه بسبب تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل

وفي 12 نوفمبر 2007 وقف جمال زهران النائب في البرلمان واتهم الحكومة بإهدار 800 مليار جنيه  شرح زهران المبلغ بأنه عبارة عن مساحات كثيرة وكبيرة من أراضى مصر وزعت على كبار المسئولين بالدولة ورجال أعمال يدورون فى فلكهم .. 
دلل النائب المذكور على كلامه بما أعلنه اللواء مهندس عمر الشوادفى – رئيس جهاز المركز الوطني لاستخدامات الأراضي – حين قال أن نحو 16 مليون فدان قد تم الاستيلاء عليها من مافيا الأراضي وتقدر قيمتها بنحو 800 مليار جنيه

وليظهر بعد ذلك  ترتيب مصر متأخرا على مؤشر الفساد والذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، ففي 26 سبتمبر 2009 جاء ترتيب مصر 115 على مستوى 180 دولة في العالم متأخره حتى عن بعض دول افريقيا وأميركا الجنوبيه

ولأقول للمصريين بعد ذلك كله يامصريين ... لقد رحل الرجل الذي أعاق تقدمكم


الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

[ غنـاء الصراصيـر ] للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دربهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ثم أما بعــد ...



كنتُ
راكبًا في الباص من أيام، فخطر على بال السائق الطرب ففتح الراد –ووضع الراد في الحافلات عادة شنيعة لا أدري متى تُبطل- فإذا رجل، يخرج صوتًا غريبًا، لا يشبه أصوات بني آدم، صوت كأنه صوت مختنق يطلب النجدة ثم يمنعه الماء في فمه أن يفصح أو يبين، أو كأنه صوت امرأة أخذها الطلق، أو كأنه صوت دجاجة علقت بها البيضة فلا تخرج ولا ترجع ، وسألت جري مدهوشًا: ما هـذا؟
قال: هذا فُلان
–واحد من المغنين المشهورين- يُغني ويقول: آه.
فلم أصدق حتى جاء بأربعة شهود من
ركاب الباص فشهدوا أن هذا الصوت الغريب هو غناء مغنِّ، يقول: آه.
ونظرت فإذا هذه
الـ "آه" قد خرج ربعهـا فكان على لسانه، وربعها علق في حلقه، ونصفها أصابه الإمساك المزمن فبقي في جوفه فلا يخرج إلاّ بشربة زيت خروع .
فقلتُ: ولماذا
لا يغني كما يغني الناس؟
قالوا: هذا هو الفن الجديد
.
قلتُ: لعنة الله على هذا
الفن الجديد.

وما لنا وللغناء الإفرنجي؟ حضرتُ مرة فلِمًا غنائيًا في
السينما يُغني فيه رجال ونساء مجتمعين، ويصرخون فيه ذلك الصراخ فما شبهتهم إلاّ بقطتين وكلبين، ربطتها جميعًا، ثم دست على ذنب القط مرة، وعلى ذنب الكلب مرة فصرخا معًا ، فكان هذا الغناء الإفرنجـي.
وأنا أعتذر إلى من
يدفعه التقليد إلى الغيرة على هذا الغناء، فإن هذا رأيي، وأنا رجل لا أفهم الموسيقى الفرنجية فما أصنع؟
ولقد فتحت الراد مرة، وقلّما افتحه، فسمعت أصوات آلات
متنافرة، فقدّرت أن الفرقة تُصلّح آلاتها –تدوزنها- قبل العزف، وقلت في نفسي: لماذا يُذيعون "الدوزان"؟!، فلما انتهوا، قال المذيع: قدمنا لكم السمفونية كذا لبتهفون.
حسبتها والله دوزان آلات، وكل السامعين من أهل الشام ما عدا ثلاثمئة
وأحد عشر رجلاً في سورية كلها، لا يفهمون منها أكثر مما فهمت!!
ثم إن الإنسان
يهتم بصحته ودينه وماله وعقله وقلبه فلتشتمل برامج الإذاعة هذه الأمور كلها، وإذا كان الغناء للقلب، فليس معنى هذا أن نغني دائمًا، إن الإنسان كما قالوا: حيوان ناطق، وليس حيوانًا مغنيًا، ما في الحيوانات ما يغني دائمًا إلاّ الصرصور، فهل نحن صراصير؟


منقول بتصرف وإختصار من "مع الناس" للشيخ علي الطنطاوي (ص
: 154-157) .
قرأتهُ فوجدتها أكثر الأوصاف دقة عن "الإذاعات العربية" إلا من رحم
الله. فأحببتُ أن أتشارك بها معكم.