بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 13 أكتوبر 2012

عافيه بن يزيد الأودي والخليفه المهدي

توجه عافية بن يزيد الأودي القاضي إلى المهدي يومًا في وقت الظهيرة لمقابلته على عجل.
فلما أذن له إذا به يحمل أوراقه بين يديه ويسأل المهدي أن يعفيه من القضاء ويستأذنه في تسليم الأوراق التي في حوزته إلى من يأمر الخليفة بتسليمها له.
وظن الخليفة أن القاضي عافية قد أقدم على طلب الاستعفاء من القضاء لأن أحد رجال حاشيته ومن هم محسوبون على الخليفة قد تطاول عليه أو نال منه أو أساء معاملته أو أبدى عدم احترام له أو تدخل في شأن من شؤون قضائه فأضعف سلطانه في تنفيذ أحكامه ولشد ما كانت دهشة الخليفة حينما عرف انه لم يقع شيء من ذلك.
فأحب الخليفة أن يتعرف من ذلك السبب الحقيقي الذي دفع القاضي إلى الاستعفاء على عجل في ذلك الوقت الذي يلجأ الناس فيه إلى الراحة وهو وقت الظهيرة.
ولما أصر الخليفة على طلب معرفة السبب لم يجد القاضي بدًا من أن يروي له ما جرى له مما كان سببًا في طلب الإعفاء حرصًا على دينه وطهارة لنفسه.
فقال القاضي عافية منذ شهرية وأنا أتابع البحث في إحدى القضايا المعضلة محاولاً أن أصل فيها إلى وجه الحق فقد تقدم إلي خصمان موسران وجيهان في قضية معضلة مشكلة.
وكل منها يدعي بينة وشهودًا ويدلي بحجج تحتاج إلى تأمل وتثبت.
ولما لم يتبين لي وجه الحق رددت الخصوم رجاء أن يصلحوا أو يتبين لي
وجه فصل بينهما.
وأثناء ذلك وقف أحد الخصمين من خبري على أني أحب الرطب السكري.
فعمد في وقتنا هذا وهو أول وقت الرطب وجمع رطبًا سكريًا لا يتهيأ في هذا الوقت لأحد جمع مثله إلا لأمير المؤمنين وحقًا ما رأيت أحسن منه.
ثم عمد إلى بوابي فرشاه جملة دراهم ليدخل الطبق إلي على أنه لا يبالي بعد ذلك أن أقبل الطبق أو أرده.
فلما أدخل الطبق إلي أنكرت أمره وطردت بوابي وأمرت برد الطبق فرده لساعته.
فلما كان اليوم تقدم إلي هذا الرجل مع خصمه فهالني أنهما لم يتساويا في قلبي ولا في عيني.
وهذا يا أمير المؤمنين وأنا لم أقبل فكيف يكون حالي لو قبلت ولا آمن أن يقع عليّ حيلة في ديني فأهلك وقد فسد الناس فأقلني أقالك الله واعفني.
ولم يسع الخليفة وهو يستمع إلى ذلك الكلام المنبى عن شدة الورع والحرص الخالص على نزاهة الحكم وبعد القاضي عن المؤثرات أيا كان نوعها إلا أن يستجيب لطلب القاضي النقي النبيل فأعفاه من القضاء.

ليست هناك تعليقات: