الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دربهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ثم أما بعــد ...
كنتُ راكبًا في الباص من أيام، فخطر على بال السائق الطرب ففتح الراد –ووضع الراد في الحافلات عادة شنيعة لا أدري متى تُبطل- فإذا رجل، يخرج صوتًا غريبًا، لا يشبه أصوات بني آدم، صوت كأنه صوت مختنق يطلب النجدة ثم يمنعه الماء في فمه أن يفصح أو يبين، أو كأنه صوت امرأة أخذها الطلق، أو كأنه صوت دجاجة علقت بها البيضة فلا تخرج ولا ترجع ، وسألت جري مدهوشًا: ما هـذا؟
قال: هذا فُلان –واحد من المغنين المشهورين- يُغني ويقول: آه.
فلم أصدق حتى جاء بأربعة شهود من ركاب الباص فشهدوا أن هذا الصوت الغريب هو غناء مغنِّ، يقول: آه.
ونظرت فإذا هذه الـ "آه" قد خرج ربعهـا فكان على لسانه، وربعها علق في حلقه، ونصفها أصابه الإمساك المزمن فبقي في جوفه فلا يخرج إلاّ بشربة زيت خروع .
فقلتُ: ولماذا لا يغني كما يغني الناس؟
قالوا: هذا هو الفن الجديد.
قلتُ: لعنة الله على هذا الفن الجديد.
وما لنا وللغناء الإفرنجي؟ حضرتُ مرة فلِمًا غنائيًا في السينما يُغني فيه رجال ونساء مجتمعين، ويصرخون فيه ذلك الصراخ فما شبهتهم إلاّ بقطتين وكلبين، ربطتها جميعًا، ثم دست على ذنب القط مرة، وعلى ذنب الكلب مرة فصرخا معًا ، فكان هذا الغناء الإفرنجـي.
وأنا أعتذر إلى من يدفعه التقليد إلى الغيرة على هذا الغناء، فإن هذا رأيي، وأنا رجل لا أفهم الموسيقى الفرنجية فما أصنع؟
ولقد فتحت الراد مرة، وقلّما افتحه، فسمعت أصوات آلات متنافرة، فقدّرت أن الفرقة تُصلّح آلاتها –تدوزنها- قبل العزف، وقلت في نفسي: لماذا يُذيعون "الدوزان"؟!، فلما انتهوا، قال المذيع: قدمنا لكم السمفونية كذا لبتهفون.
حسبتها والله دوزان آلات، وكل السامعين من أهل الشام ما عدا ثلاثمئة وأحد عشر رجلاً في سورية كلها، لا يفهمون منها أكثر مما فهمت!!
ثم إن الإنسان يهتم بصحته ودينه وماله وعقله وقلبه فلتشتمل برامج الإذاعة هذه الأمور كلها، وإذا كان الغناء للقلب، فليس معنى هذا أن نغني دائمًا، إن الإنسان كما قالوا: حيوان ناطق، وليس حيوانًا مغنيًا، ما في الحيوانات ما يغني دائمًا إلاّ الصرصور، فهل نحن صراصير؟
منقول بتصرف وإختصار من "مع الناس" للشيخ علي الطنطاوي (ص: 154-157) .
قرأتهُ فوجدتها أكثر الأوصاف دقة عن "الإذاعات العربية" إلا من رحم الله. فأحببتُ أن أتشارك بها معكم.
كنتُ راكبًا في الباص من أيام، فخطر على بال السائق الطرب ففتح الراد –ووضع الراد في الحافلات عادة شنيعة لا أدري متى تُبطل- فإذا رجل، يخرج صوتًا غريبًا، لا يشبه أصوات بني آدم، صوت كأنه صوت مختنق يطلب النجدة ثم يمنعه الماء في فمه أن يفصح أو يبين، أو كأنه صوت امرأة أخذها الطلق، أو كأنه صوت دجاجة علقت بها البيضة فلا تخرج ولا ترجع
قال: هذا فُلان –واحد من المغنين المشهورين- يُغني ويقول: آه.
فلم أصدق حتى جاء بأربعة شهود من ركاب الباص فشهدوا أن هذا الصوت الغريب هو غناء مغنِّ، يقول: آه.
ونظرت فإذا هذه الـ "آه" قد خرج ربعهـا فكان على لسانه، وربعها علق في حلقه، ونصفها أصابه الإمساك المزمن فبقي في جوفه فلا يخرج إلاّ بشربة زيت خروع
فقلتُ: ولماذا لا يغني كما يغني الناس؟
قالوا: هذا هو الفن الجديد.
قلتُ: لعنة الله على هذا الفن الجديد.
وما لنا وللغناء الإفرنجي؟ حضرتُ مرة فلِمًا غنائيًا في السينما يُغني فيه رجال ونساء مجتمعين، ويصرخون فيه ذلك الصراخ فما شبهتهم إلاّ بقطتين وكلبين، ربطتها جميعًا، ثم دست على ذنب القط مرة، وعلى ذنب الكلب مرة فصرخا معًا
وأنا أعتذر إلى من يدفعه التقليد إلى الغيرة على هذا الغناء، فإن هذا رأيي، وأنا رجل لا أفهم الموسيقى الفرنجية فما أصنع؟
ولقد فتحت الراد مرة، وقلّما افتحه، فسمعت أصوات آلات متنافرة، فقدّرت أن الفرقة تُصلّح آلاتها –تدوزنها- قبل العزف، وقلت في نفسي: لماذا يُذيعون "الدوزان"؟!، فلما انتهوا، قال المذيع: قدمنا لكم السمفونية كذا لبتهفون.
حسبتها والله دوزان آلات، وكل السامعين من أهل الشام ما عدا ثلاثمئة وأحد عشر رجلاً في سورية كلها، لا يفهمون منها أكثر مما فهمت!!
ثم إن الإنسان يهتم بصحته ودينه وماله وعقله وقلبه فلتشتمل برامج الإذاعة هذه الأمور كلها، وإذا كان الغناء للقلب، فليس معنى هذا أن نغني دائمًا، إن الإنسان كما قالوا: حيوان ناطق، وليس حيوانًا مغنيًا، ما في الحيوانات ما يغني دائمًا إلاّ الصرصور، فهل نحن صراصير؟
منقول بتصرف وإختصار من "مع الناس" للشيخ علي الطنطاوي (ص: 154-157) .
قرأتهُ فوجدتها أكثر الأوصاف دقة عن "الإذاعات العربية" إلا من رحم الله. فأحببتُ أن أتشارك بها معكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق