بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 أغسطس 2012

هل الأجر و الثواب على قدر المشقة ؟



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( قول بعض الناس الثواب على قدر المشقة = ليس بمستقيم على الإطلاق ، كما قد يستدل به طوائف على أنواع من الرهبانيات والعبادات المبتدعة التى لم يشرعها الله ورسوله من جنس تحريمات المشركين وغيرهم ما أحل الله من الطيبات ومثل التعمق والتنطع الذى ذمه النبى صلى الله عليه وسلم حيث قال (هلك المتنطعون ) وقال ( لو مد لي الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ) مثل الجوع أو العطش المفرط الذي يضر العقل والجسم ويمنع أداء واجبات أو مستحبات أنفع منه ، وكذلك الاحتفاء والعري و المشي الذي يضر الإنسان بلا فائدة ، مثل حديث أبي إسرائيل الذي نذر أن يصوم و أن يقوم قائما و لا يجلس ولا يستظل ولا يتكلم فقال النبي: ( مروه فليجلس و ليستظل وليتكلم وليتم صومه ) .رواه البخارى ، و هذا باب واسع .و أما الأجر على قدر الطاعة فقد تكون الطاعة لله ورسوله فى عمل ميسر كما يسر الله على أهل الإسلام الكلمتين ، و هما أفضل الأعمال ، و لذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم).أخرجاه فى الصحيحين .ولو قيل ( الأجر على قدر منفعة العمل وفائدته ) =لكان صحيحا اتصاف الأول باعتبار تعلقه بالأمر ، و الثانى باعتبار صفته فى نفسه .والعمل تكون منفعته وفائدته تارة من جهة الأمر فقط ، وتارة من جهة صفته فى نفسه ، وتارة من كلا الأمرين فبالإعتبار الأول ينقسم إلى طاعة ومعصية وبالثانى ينقسم إلى حسنة وسيئة والطاعة والمعصية إسم له من جهة الأمر والحسنة والسيئة إسم له من جهة نفسه وإن كان كثير من الناس لا يثبت إلا الأول كما تقوله الأشعرية وطائفة من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم ومن الناس من لا يثبت إلا الثانى كما تقوله المعتزلة وطائفة من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم .و الصواب إثبات الإعتبارين كما تدل عليه نصوص الأئمة وكلام السلف وجمهور العلماء من أصحابنا وغيرهم
فأما كونه مشقا فليس هو سببا لفضل العمل ورجحانه ولكن قد يكون العمل الفاضل مشقا ففضله لمعنى غير مشقته والصبر عليه مع المشقة يزيد ثوابه وأجره فيزداد الثواب بالمشقة كما أن من كان بعده عن البيت فى الحج والعمرة أكثر يكون أجره أعظم من القريب كما قال النبى لعائشة فى العمرة أجرك على قدر نصبك ؛ لأن الأجر على قدر العمل في بعد المسافة ، و بالبعد يكثر النصب فيكثر الأجر ، وكذلك الجهاد
وقوله صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذى يقرأة ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران فكثيرا ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب ، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل ، ولكن ؛ لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب هذا فى شرعنا رفعت عنا فيه الآصار والأغلال ولم يجعل علينا فيه حرج ولا اريد بنا فيه العسر
وأما فى شرع من قبلنا فقد تكون المشقة مطلوبة منهم وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوبا مقربا إلى الله لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا وإنقطاع القلب عن علاقة الجسد وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم ولهذا تجد هؤلاء مع من شابههم من الرهبان يعالجون الأعمال الشاقة الشديدة المتعبة من أنواع العبادات والزهادات مع أنه لا فائدة فيها ولا ثمرة لها ولا منفعة إلا ان يكون شيئا يسيرا لا يقاوم العذاب الأليم الذى يجدونه ونظير هذا الأصل الفاسد مدح بعض الجهال بأن يقول فلان ما نكح ولا ذبح وهذا مدح الرهبان الذين لا ينكحون ولا يذبحون وأما الحنفاء فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لكنى أصوم وافطر وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتى فليس منى ..)المجموع 10/620-623

ليست هناك تعليقات: