علي الصراف
كاتب عراقي شيعي شريف
المقاومةُ واحدةٌ، في ظني، والغزاةُ هم أنفسهم الغزاة. فإما أن تكون ضدهم في كل مكان، أو أن تكون خادما لهم، ولو بالتواطؤ، في كل مكان.
لله في خلقه شؤون. ومثلما خلق الله الإنس، فانه خلق الجان. وخلق غيرهما أيضا.
ومن هذه الشؤون، كان لنا من خلقه حزبان.
الأول، هو "حزب الله"، ويتزعمه السيد حسن نصر الله، وهو حزب وطني، يناهض الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ويقاومهما ببسالة مشهودة في لبنان يجوز معها أن نرفع الرؤوس فخرا وامتنانا لكل قطرة دم يقدمها، تحت قيادته، الشهداء.
والثاني، هو حزب الشيطان، ويتزعمه السيد حسن نصر الله أيضا. وهو حزب يمالئ الولايات المتحدة ويتواطأ مع المشروع الصهيوني ويمد عملاءهما في العراق بالدعم والخبرات لكي يشنوا حربا ضارية ضد المقاومة المسلحة التي تقاتل الاحتلال الأميركي في العراق، ولكي يفتكوا بالأعراض ويسفكوا دماء الأبرياء، ويهجروا ملايين الناس، وينصبوا جدرانا كونكريتية، مثلما يفعل الصهاينة، بين الأحياء.
والسيد نصر الله بطلٌ لا يضارعه بطلٌ قوميٌ في الأمة العربية التي افتخرت به من المحيط الى الخليج واعتبرته، بعد حرب صيف 2006، خليفةً لأكبر أبطالها القوميين، جمال عبد الناصر.
ولكنه فارسي الهوى، ومرجعيته صفوية، ومشروعه طائفي لا يمت للقومية العربية بأي صلة.
حتى لكأننا به، نعلل النفس بالأوهام.
وما من رجل شجاعة وصدق ونزاهة أعلى منه قامةً، عندما يتعلق الأمر بالمواجهة مع إسرائيل في لبنان. ولكن حزبه الثاني هو حزب انحطاط ما بعده انحطاط، وحزب عمالة ما بعدها عمالة، بالأدلة والوقائع والبراهين التي يقدمها عملاء الاحتلال في العراق كل يوم، بعشرات الجثث التي ترمى على قارعات الطرق.
وفي حين أن حزب الله الأول، هو حزب وطني يرتبط بوشائج وثيقة مع كل المناهضين للإمبريالية والصهيونية، فان حزبه الثاني هو حزب طائفي، عيني عينك، يرتبط بوشائج وثيقة مع كل الممالئين للإمبريالية والصهيونية.
ويستخدم السيد نصر الله حزبه الأول لكي يغطي على أفعال حزبه الثاني، فيوقع الناس في حيرة. فهم إن أيدوا حزبه الأول، بدوا وكأنهم يبررون جرائم عملاء الاحتلال ضد الأبرياء في العراق، (والاحتلال واحد) وهو ما لا يليق بأشراف. وهم إن أيدوا حزبه الثاني، بدوا وكأنهم يتخذون موقفا يجعلهم يقفون في صف واحد مع الإمبرياليين والصهاينة، وهو ما لا يليق بأحرار.
والسيد نصر الله رجلُ شرف وحرية. ولكن عباءته تُخفي من العملاء في العراق ما يجعل الشرف عارا، والحرية عبودية وخذلانا..
أتباع حزب الله في لبنان مقاتلون أشداء، يتسمون بمقدار عال من الانضباط، ويعرفون كيف يفتدون حرية وطنهم ويقدسون كل حبة تراب من أرضه ولا يترددون في سقيها بالدماء.
ولكن أتباع حزب الله في العراق، من أعضاء المليشيات الطائفية التي تتولى كوادر حزب الله تدريبها، مجرمون ولصوص وقتلة ووحوش لا يترددون في ارتكاب أبشع أعمال القتل والتعذيب والاغتصاب والنهب.
ولحزب الله أنصار معروفون ليس في "جيش المهدي" وحده، ولكن في "منظمة بدر" و"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" و"حزب الدعوة" أيضا. وإذا كانت هذه الأحزاب كلها جزءاً لا يتجزأ من "العملية السياسية" التي نصبها الاحتلال لاستعباد العراق واستباحة مقدساته ومحرماته وثرواته (وهي عملية يشجع السيد نصر الله على الارتباط بها علنا)، فان أقل ما يمكن أن يقال في الحزبين الأخيرين (بالدلائل والأفعال، لا بالاتهامات والأقوال) أنهما حزبا عملاء للإمبريالية والصهيونية نفسيهما اللذين يعاديهما حزب الله في لبنان.
و"جيش المهدي" الذي يدعمه حزب الله، كان هو المسؤول المعلن والصريح والمكشوف عن حرق وتدمير المئات من مساجد أهل السنة وعن حملة التصفيات المروعة التي طالت عشرات الآلاف من الأبرياء الذين أُخذوا بجريرة جريمة لا ذنب لهم فيها (هدم مرقد الإمامين في سامراء)، فكانت تلك التصفياتُ علامةً فاصلةً في مشروع التفتيت الطائفي. ومن يومها لم تقم للوحدة بين المسلمين قائمة. ومن يومها ظل الاحتلال يرقص طربا على ما يرتكبه أتباع حزب الله من جرائم تزيد الشرخ الطائفي عمقا، وتردم هوته بالمزيد من الدماء.
ويقول السيد نصر الله في كلمة مشهورة له "نحن مع المقاومة في فلسطين، في العراق، في كل مكان يحمل فيه وطني شريف سلاحه من أجل تحرير أرضه من الاحتلال والهيمنة والوصاية".
ولكن السيد نصر الله يشجع في كلمة مشهورة أخرى له على الانخراط في العملية السياسية التي يرعاها الاحتلال في العراق، ويحض على المشاركة في انتخابات النصب والاحتيال التي صممها عملاؤه من اجل الفوز بصناديق اقتراع تنقلها الدبابات!
ويقول السيد نصر الله "أن الشيعة ليسوا حساباً واحدا"، ولكن عملاء الاحتلال من الشيعة في العراق، ومن دون استثناء، كلهم مثله، عملاء لطهران، ويتخذون من عمامة الحقد المجوسي على تسعة أعشار المسلمين، إماماً ومرشداً ومرجعاً.
ولئن لم تجرؤ المقاومة العراقية على تسمية مقاومة حزب الله في لبنان إرهابا، إلا أن السيد نصر الله لم يتردد في ربط المقاومة العراقية بالإرهاب، متبنيا ضدها نفس اللغة التي يستخدمها الاحتلال.
فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ والى أي حزب منهما تنتميان؟
ومشكلتي إني محتار. (والـ"أنا" لا تعني شخصا، بل كل الأحرار).
وأنا مع حزب الله، ولكني ضد حزب الشيطان. ولا أعرف كيف يمكن لرجل واحد أن يكون زعيماً للحزبين معا؛ بطلا ومجرما في آن؛ رجلَ حرية، ونصيراً لعملاء في آن؛ وطنياً وطائفياً في آن؛ عربياً وصفوياً في آن؛ إلا إذا كان ملاكا يرتدي عباءة الشيطان، أو العكس.
المقاومةُ واحدةٌ، في ظني، والغزاةُ هم أنفسهم الغزاة. فإما أن تكون ضدهم في كل مكان، أو أن تكون خادما لهم، ولو بالتواطؤ، في كل مكان.
سمعت السيد نصر الله يقول ذات يوم، إن "نظام صدام سيء والاحتلال سيء."
ولكن يا سيد نصر الله، نظام صدام سقط، وصدام نفسه أعدمناه، وبقي الاحتلال. وبقي مع الاحتلال كل الذين أسقطوا نظام صدام وكل الذين أشرفوا على إعدامه ليواصلوا الشيء الذي تعرفه وتراه: قتل الأبرياء ونهب المليارات و.. ممالأة الاحتلال!
النظام سقط، حتى لم يعد شماعة صالحة. وصدام مات. ولكن المجازر مستمرة والاحتلال قائم، والخراب يعم، والضحايا يزيدون ولا ينقصون. أفهل تعجز عن أن ترى الفضيحة معلقةً على الشماعة نفسها التي تتعلق بها بدعة "إسقاط النظام".
ولا تنس يا سيد نصر الله، إن الإمبرياليين والصهاينة يكرهون صدام. وهم الذين أسقطوا نظامه بدباباتهم. فأي فخر في أن تصطف في صفهم؟
وبينما كنت تغزو غروتك ضد عملاء أميركا وإسرائيل في بيروت لـ"حماية المقاومة"، فقد كان أصدقاؤك من عملاء أميركا وإسرائيل، بكل من فيهم من مليشيات طائفية وحرس ثوري إيراني، يغزون غزوتهم ضد المقاومة في الموصل. فما أحسن التوقيت، وما أسطع البهتان.
مقاومتنا تستمد جانبا من قيمها من مقاومة الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي قال: "لو قال الفرنسيون، لا إله إلا الله محمد رسول الله، لما قلتها"، لكي لا يجد نفسه في صف المجرمين ولا في خندقهم. ولكي يُبقي موقفَ مقاومته طاهراً من كل دنس يبرر به الغزاةُ دسائسهم.
وهم لو قالوا إذهبوا للانتخابات، فلن نذهب،
ولو قالوا اذهبوا للصلاة فلن نصلي،
ولو قالوا حجوا بيت الله الحرام، فلن نحج،
ولو قالوا اعملوا ديمقراطية، فسندعم الدكتاتوريات،
ولو قالوا أسقطوا صدام، لوضعناه فوق رؤوسنا رمزا.
هكذا يكون الموقفُ الشريفُ شريفاً في كل حين. وهو نفسه في كل مكان.
أعداء صدام من الإمبرياليين والصهاينة والصفويين ما جاءوا لكي يبنوا عراقا حرا ولا ديمقراطيا، وها هم، يتخذون من إسقاط نظام صدام ذريعة لإسقاط العراق، ولتدمير مقومات وجوده كدولة، ولتحويله إلى مستنقع لكل الأعمال الوحشية التي تخطر ولا تخطر على بال. وأنت تراهم. بأم عينيك تراهم. وترى ما تفعل فرق الموت من التصفيات التي طالت آلاف الكوادر والعلماء والمهندسين والأطباء، دع عنك الضباط.
إنهم يحقدون على العراق، ويقتلون شعبه، وقد حولوه إلى شعب أرامل وأيتام ومهجرين، حتى بعد إسقاط نظام صدام، وحتى بعد إعدامه.
ومشكلتي هي أني إذ أقف معك ضد الاحتلال، فأنت تقف معهم ضدي وأنا أقاوم الاحتلال.
مشكلتي هي أني شريف ومقاوم، على الوجهين، وأنت تمارس الشرف والمقاومة حسب المزاج؛ المقاومة والتواطؤ حسب الإمكان.
المقاومةُ لا تكون مقاومةً بالنفاق.
ولونها واحدٌ في كل مكان. وخنادقها مفتوحة على بعضها البعض. ومعاييرها الوطنية والأخلاقية واحدةٌ. وهذه لا تقبل التقسيم ولا التجزئة ولا الإفتئآت.
وأفعالها، يا سيدي، هي الدليل، وعواقبها الملموسة هي البرهان. فهي أطاحت (رسميا) بأكثر من 4000 جندي أميركي وجرحت أكثر من 30000 وأصابت بالجنون والهستيريا ربع الجيش الأميركي. هؤلاء سقطوا بالمقاومة، لا صعقا بتيار الكهرباء (المقطوع أصلا منذ سقوط النظام!). وحسابيا، فهؤلاء أكثر بعشرة أضعاف من كل خسائر إسرائيل في مقاومتك ضدها. وهي كبدت الإمبريالية خسائر تصل إلى ثلاثة تريلونات دولار، وبلغت تبعاتها حدا لم يعد معه الكاوبوي قادرا على شراء العلف لحصانه.
كل هذا، وما تزال مقاومتك تتربع وحدها على عرش "المقاومة"، وما تزال مقاومتنا "إرهابا".
وفي حين تملك مقاومتك مليارات الدولارات، فأسر مقاومتنا تعيش على القهر والجوع والحرمان.
ولأنها مقاومة أحرار وشرفاء، فإنها لا تريد لك أن تخسر في مواجهة الصهاينة والأميركيين، لأنها ستخسر معك. ولكن لماذا تحاربها، بأيدي إخوانك من عملاء واشنطن وطهران، لتصب الماء في طاحونة الهيمنة والطغيان؟
ولماذا يا سيد حسن نصر الله تتزعم حزب الله في مكان، وتمالئ حزب الشيطان في مكان؟
فبأي آلاء ربكما تكذبان؟ وبأي شأن من شؤون الله يلتقي فيك الوجهان؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق