العاصي الذي ينشد التوبة كرجل كان في كنف أبيه، يغذوه بأطيب الطعام والشراب واللباس، ويربيه أحسن التربية، ويرقيه على درجات الكمال أتم ترقية، وهو القيم بمصالحه كلها، فبعثه أبوه في حاجة له، فخرج عليه في طريقه عدو فأسره وكتفه وشد وثاقه، ثم ذهب به إلى بلاد الأعداء، فسامه سوء العذاب، وعامله بضد ما كان أبوه يعامله به، فهو يتذكر تربية والده وإحسانه إليه الفينة بعد الفينة، فتهيج من قلبه لواعج الحسرات كلما رأى حاله، ويتذكر ما كان عليه، وكل ما كان فيه فبينا هو في أسر عدوه يسومه سوء العذاب، ويريد نحره في آخر الأمر، إذ حانت منه التفاتة نحو ديار أبيه فرأى أباه منه قريبا، فسعى إليه، وألقى نفسه عليه وانطرح بين يديه يستغيث : يا أبتاه يا أبتاه يا أبتاه ! انظر إلى ولدك وما هو فيه، ودموعه تستبق على خديه قد اعتنقه والتزمه، وعدوه في طلبه حتى وقف على رأسه وهو ملتزم لوالده ممسك به فهل تقول: إن والده يسلمه مع هذه الحال إلى عدوه ويخلي بينه وبينه!!، فما الظن بمن هو أرحم بعبده من الوالد بولده ومن الوالدة بولدها، إذا فر عبد إليه، وهرب من عدوه إليه، وألقى بنفسه طريحا ببابه يمرغ خده في ثرى أعتابه، باكيا بين يديه يقول : يا رب يا رب ارحم من لا راحم له سواك، ولا ناصر له سواك، ولا مؤوي له سواك، ولا مغيث له سواك، مسكينك وفقيرك وسائلك ومؤملك ومرجيك، لا ملجأ له ولا منجا له منك إلا إليك، أنت معاذه وبك ملاذه
يا من ألوذ به فيمـــا أؤمله ومن أعوذ به ممـــا أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ولا يهيضون عظما أنت جابره
يا من ألوذ به فيمـــا أؤمله ومن أعوذ به ممـــا أحاذره
لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ولا يهيضون عظما أنت جابره
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق