قال العلماء : إنما خص النبي بردها و قمعها و كفها عن أهل المحشر دون غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم ، لأنه رآها في مسراه و عرضت عليه في صلاته حسب ما ثبت في الصحيح قال و في ذلك فوائد ثمان :الأولى : أن الكفار لما كانوا يستهزئون به و يكذبونه في قوله ، و يؤذونه أشد الأذى, أراه الله تعالى النار التي أعدها للمستخفين به و بأمره تطييباً لقلبه و تسكيناً لفؤاده .الثانية : الإشارة في ذلك إلى أن من طيب قلبه في شأن أعدائه بالإهانة و الانتقام ، فالأولى أن يطيب قلبه في شأن أوليائه و أحبابه بالتحية و الشفاعة و الإكرام .الفائدة الثالثة : و يحتمل أن عرضها عليه ليعلم منة الله تعالى حين أنقذهم منها ببركته و شفاعته .الفائدة الخامسة : أن سائر الأنبياء لم يروا قبل يوم القيامة شيئاً منها ، فإذا رأوها جزعوا و كفت ألسنتهم عن الخطيئة و الشفاعة من هولها و شغلهم أنفسهم عن أممهم ، و أما نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ، فقد رأى جميع ذلك فلا يفزع منه مثل ما فزغوا ليقدر على الخطبة ، و هو المقام المحمود الذي وعده به ربه تبارك و تعالى في القرآن المجيد و ثبت في صحيح السنة .الفائدة السادسة : فيه دليل فقهي على أن الجنة و النار قد خلقتا خلافاً للمعتزلة المنكرين لخلقها ، و هو يجري على ظاهر القرآن في قوله تعالى : (أعدت للمتقين ) (أعدت للكافرين ) و الاعداد دليل الخلق و الإيجاد .الفائدة السابعة : و يحتمل أنه أراه إياها ليعلم خسة الدنيا في جنب ما أراه ، فيكون في الدنيا أزهد و على شدائدها أصبر ، حتى يؤديه إلى الجنة فقد قيل : حبذا محنة تؤدي بصاحبها إلى الرخاء ، و بؤساً لنعمة تردي بصاحبها إلى البلاء .الفائدة الثامنة : و يحتمل أن الله تعالى أراد ألا يكون لأحد كرامة إلا يكون لمحمد صلى الله عليه و سلم مثلها ، و لما كان لإدريس عليه السلام كرامة الدخول إلى الجنة قبل يوم القيامة أراد الله تعالى أن يكون ذلك لصفه و نجيه و حبيبه و أمينه على وحيه محمد صلى الله عليه و سلم و كرم و عظم و بجل و وقر ، قال ذلك جميعه الحافظ بن دحية رضي الله عنه في كتاب الابتهاج في أحاديث المعراج .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق