قال أحمد أمين ( 1304 – 1373 هـ / 1886 – 1954 م ) في كتابه " حياتي " ( ص 21 / ط . العصرية ) : ... وبعد، فما أكثر ما فعل الزمان، لقد عشتُ حتى رأيتُ سلطة الآباء تنهار، وتحل محلها سلطة الأمهات والأبناء والبنات، وأصبح البيت برلماناً صغيراً، ولكنّه برلمانٌ غير منظّم ولا عادل، فلا تُؤخَذ فيه الأصوات ولا تتحكّم فيه الأغلبية، ولكن يتبادل فيه الاستبداد، فأحياناً تستبد الأم، وأحياناً تستبد البنت أو الابن، وقلَّما يستبد الأب، ، وكانت ميزانية البيت في صرّافٍ واحد فتلاعبت بها أيدي صرّافين، وكثرت مطالب الحياة لكل فرد وتنوّعت، ولم تجد رأياً واحداً يعدل بينها، ويوازن بين قيمتها، فتصادمت وتحاربت وتخاصمت، وكانت ضحيتها سعادة البيت وهدوءه وطمأنينته . وغَزَت المدنية المادية البيت؛ فنورٌ كهربائي وراديو وتليفون، وأدوات للتسخين وأدوات للتبريد، وأشكال وألوان من الأثاث، ولكن هل زادت سعادة البيت بزيادتها ؟
وسَفَرَت المرأة، وكانت أمي وأخواتي محجّبات، لا يرين الناس ولا يراهنّ الناس إلا من وراء حجاب، وهكذا من أمور الانقلاب الخطير، ولو بُعِثَ جدّي من سُمُخراط ورأى ما كان عليه أهل زمنه وما نحن عليه اليوم لجنّ جنونه، ولكن خفّف مِن وَقعِها علينا أنها تأتي تدريجًا، ونألفها تدريجاً، ويفتُر عجبنا منها وإعجابنا بها على الزمان، ويتحوّل شيئاً فشيئاً من باب الغريب إلى باب المألوف .
وسَفَرَت المرأة، وكانت أمي وأخواتي محجّبات، لا يرين الناس ولا يراهنّ الناس إلا من وراء حجاب، وهكذا من أمور الانقلاب الخطير، ولو بُعِثَ جدّي من سُمُخراط ورأى ما كان عليه أهل زمنه وما نحن عليه اليوم لجنّ جنونه، ولكن خفّف مِن وَقعِها علينا أنها تأتي تدريجًا، ونألفها تدريجاً، ويفتُر عجبنا منها وإعجابنا بها على الزمان، ويتحوّل شيئاً فشيئاً من باب الغريب إلى باب المألوف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق