بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

اية الله العظمى جمال الدين الافغاني الماسوني (4)

في الهند ـ مرةً أخرى ـ :






 ـ ثم أقام أربع سنوات في روسيا القيصرية منذ 1886 الى 1889م و ما تزال أخبار إقامته فيها غامضة ، و لا ريب أن روسيا القيصرية آنذاك كانت تستعد للوثوب على التركة العثمانية ، و تحتاج لرجل في مثل قدرات و معرفة جمال الدين بالأوضاع السياسية في العالم الاسلامي ، لا سيما إذا علمنا أن الافغاني كان يصرح ـ من خلال جريدته العروة الوثقى ، و غيرها ـ بأن للروس مصالح حيوية وإستراتيجية في الهند، تدفعهم لاحتلالها. وأنه ليس لديه أي اعتراض على هذا الاحتلال إذا حدث، بل ينصح الروس باتباع أسلم السبل وأسهلها لتنفيذه، وذلك بأن يستعينوا بدولة فارس، وبلاد الأفغان ، لفتح أبواب الهند، شريطة أن تسهمهما في الغنيمة وتشركهما في المنفعة.ـ ثم كان جمال الدين بعد خروجه من روسيا عام 1889و إلى عام 1892 يتنقل بين المدن التالية : ميونخ وطهران والبصره ولندن .في إيران :ـ في ميونيخ جرى لقاء بين الشاه ناصر الدين شاه إيران و جمال الدين ، حيث عرض الأول على الثاني منصب رئيس الوزراء ، فوافق جمال الدين وغادر أوروبا قاصداً طهران سنة 1307هـ (1885 ـ1886 م) ، و استلم مهامه ، لكن سرعان ما احتدم الصراع بينه و بين الشاه ، فاستأذن بالسفر وخرج .الا أن الشاه طلبه مرة أخرى فعاد عام 1889م، و لكن في هذه المرة تأكدت مخاوف الشاه تجاه الافغاني ، حيث اتضح للشاه أن الافغاني كان يعمل لمصلحة الانجليز الذين كانت لهم اطماع في ذلك الوقت في ايران ، ولعلَّه ـ حينذاك ـ تبينت له نحلة الافغاني ـ كما سيأتي ـ ، مما اضطر جمال الدين إلى الالتجاء إلى ( مقام عبد العظيم ) - و هو من أحفاد الأئمة ، ـ و مقامه حرم لدى الرافضة : يرون أنَّ من دخله كان آمناً !!! – فمكث هنالك سبعة أشهر .. ثم بعدها اقتحمت السلطات هذا المقام و تم القبض على جمال الدين و أخرج من إيران إلى العراق سنة 1309هـ 1891م. في لندن (المرة الثانية) :مكث جمال الدين بالبصرة ريثما عادت إليه صحته ، ثم شخص إلى لندن، فتلقاه الإنجليز بالإكرام، فأنشأ مجلة للتأليب على ناصر شاه سماها (ضياء الخافقين) ، وحمل على الشاه وسياسته ، ودعا الأمة الفارسية إلى خلعه ، بل و خطط لاغتياله ، حتى استطاع أن يقنع رجلاً إيرانيًا مطرودًا مثله من إيران هو "ميرزا رضا الكوماني"، و الذي تقبل فكرة اغتيال ناصر الدين وبالفعل اغتال ميرزا "ناصر الدين" سنة 1314 هـ 1896 م ، في الضريح المقدس عند الشيعة ، في نفس المكان الذي طرد ناصر الدين منه الأفغاني ،و كان يصيح وهو يطلق النار عليه ( خذها من يد جمال الدين ) .. ، ليتولى بعده ابنه مظفر الدين شاه ( 1313هجرية قمرية – 1896 ميلادية ).في تركيا مرةً أخرى :في المرة الثانية التي دخل فيها جمال الدين تركيا دخل بمشروع سياسي أجاب به دعوة السلطان عبدالحميد الى الجامعة الاسلامية ، وقدَّمَ ـ بصفته سنِّياًّ ـ مشروعات ترمي الى توحيد أهل السنة مع الشيعة . انظر: السلطان عبدالحميد الثاني، ص181.لاعباً حينذاك بورقة طرده من مصر على يد الاحتلال الانجليزي التي تُظهِر ـ فيما قدَّر ـ صحة "ولائه للدولة العثمانية" ، والتي يعلم أنها محل نظر لدى الدولة العليَّة .إلاَّ أن السلطان عبدالحميد الثاني لم يكنْ ممن ينخدع بتلك السهولة ، فلم يكن الأفغاني آنذاك محل ثقة السلطان عبدالحميد ، لعدة أسباب :
1
ـ فقد كان السلطان يعلم بتشيع الافغاني ، يقول ميرزا لطف الله خان ابن اخت جمال الدين :
(
وكان كشف حقيقة جمال الدين أمام السلطان عبد الحميد ضربة قاضية وجَّهها مظفر الدين شاه إلى جمال الدين بوثيقة سلمها علاء الملك سفير إيران في تركيا إلى الحكومة التركية تثبت بالأدلة القاطعة أن جمال الدين إيراني شيعي يختفي في ثياب الأفغاني ، ويتّخذ المذهب السني ستاراً يحتمي به ) « جمال الدين الأسد آبادي » ( ص 34) .
2.
أن الأفغاني الذي يطرح قضية "وحدة المسلمين " كان من اكبر المؤيدين في نفس الوقت للثوار ضد السلطان عبدالحميد ، من القوميين الأتراك والعثمانيين عامة.
3.
أن الأفغاني لم يكن صادقاً في عرضه لوحدة الشعوب الإسلامية في مواجهة الدول الأوروبية الرامية الى تقسيم الدولة العثمانية العاملة على انهيارها ، فالسلطان يعلم عنه أنه في نفس الوقت لم يكن يتعرض للاستعمار الفرنسي من قريب أو بعيد ، ولو بكلمة تنديد. في وقت كان فيه السلطان عبدالحميد يحتاج الى مقاومة الفرنسيين في شمال أفريقيا . انظر: السلطان عبدالحميد الثاني، ص 182.
4
ـ حصول المخابرات العثمانية، على خطة أعدت في وزارة الخارجية الانكليزية، واشترك فيها جمال الدين الأفغاني وبلنت الانكليزي وتقضي هذه الخطة بإقصاء الخلافة عن السلطان عبدالحميد وعن العثمانيين عموماً، في الوقت الذي كان فيه جمال الدين يندِّد بالاستعمار الإنكليزي . فقد ذكر السلطان عبدالحميد في مذكراته ما نصُّه :
(
وقعت في يدي خطة أعدها في وزارة الخارجية الإنكليزية مهرج اسمه جمال الدين الأفغاني وإنكليزي يُدعى بلنت قالا فيها بإقصاء الخلافة عن الاتراك. واقترحا على الانكليز إعلان الشريف حسين أمير مكة خليفة على المسلمين.كنت أعرف جمال الدين الأفغاني عن قرب. كان في مصر، وكان رجلاً خطيراً. اقترح عليّ ذات مرة -وهو يدّعي المهدية- أن يثير جميع مسلمي آسيا الوسطى. وكنت أعرف أنه غير قادر على هذا. وكان رجل الانكليز ، ومن المحتمل جداً أن يكون الانكليز قد أعدوا هذا الرجل لاختباري فرفضت فوراً ، فاتحد مع بلنت.استدعيته الى استانبول عن طريق أبي الهدى الصيادي الحلبي ، الذي كان يلقي الاحترام في كل البلاد العربية. قام بالتوسط في هذا كل من منيف باشا، حامي الأفغان القديم ، والأديب الشاعر عبدالحق حامد. جاء جمال الدين الأفغاني الى استانبول، ولم أسمح له مرة أخرى بالخروج منها...) انظر: مذكرات السلطان عبدالحميد، ص 148.
5
ـ موقف السيد جمال الدين الأفغاني من مبدأ التوسع الروسي كان غريباً على مفهوم الجامعة الاسلامية الذي يدعو اليه ، فبالرغم من الأطماع الروسية والحروب الروسية ، ضد الدولة العثمانية واقتطاع الروس لأجزاء من الأراضي العثمانية، فقد كان الافغاني يصرح من خلال جريدنه أن للروس مصالح حيوية وإستراتيجية في الهند، تدفعهم لاحتلالها. وأنه ليس لدى الافغاني اعتراض على هذا الاحتلال إذا حدث، بل ينصح الروس باتباع أسلم السبل وأسهلها لتنفيذه، وذلك بأن يستعينوا بدولة فارس، وبلاد الأفغان ، لفتح أبواب الهند، شريطة أن تسهمهما في الغنيمة وتشركهما في المنفعة ، وهنا ـ مع ما مرَّ بنا من صيغة مشروعه ـ تظهر النزعة الشيعية لجمال الدين الأسدآبادي .ـ إلاَّ أن السلطان عبدالحميد ـ المعروف بشدة دهائه ـ استطاع الإفادة من الأفغاني في الدعاية الى الجامعة الاسلامية بما يخدم مصالح دولة الخلافة الاسلامية .يقول جمال الدين الأفغاني واصفاً شدة دهاء السلطان عبدالحميد: (إن السلطان عبدالحميد لو وزن مع أربعة من نوابغ رجال العصر لرجحهم ذكاء ودهاء وسياسة، خصوصاً في تسخير جليسه، ولا عجب إذا رأيناه يذلل لك مايقام لملكه من الصعاب من دول الغرب، ويخرج المناوئ له من حضرته راضياً عنه وعن سيرته وسيره، مقتنعاً بحجته سواء من ذلك الملك والأمير والوزير والسفير...) جمال الدين الأفغاني المصلح المفترى عليه، د. محسن عبدالحميد، ص137.ـ ويقول : (ورأيته يعلم دقائق الأمور السياسية ومرامي الدول الغربية وهو معد لكل هوة تطرأ على الملك، مخرجاً وسلماً، وأعظم ماأدهشني ، ماأعده من خفي الوسائل وأمضى العوامل ، كي لاتتفق أوروبا على عمل خطير في الممالك العثمانية، ويريها عياناً محسوساً أن تجزئة السلطنة العثمانية لا يمكن إلا بخراب يعم الممالك الأوروبية بأسرها) جمال الدين الأفغاني المصلح المفترى عليه، د. محسن عبدالحميد، ص137.ويقول: (أما مارأيته من يقظة السلطان ورشده وحذره وإعداده العدة اللازمة لإبطال مكائد أوروبا وحسن نواياه واستعداده للنهوض بالدولة الذي فيه نهضة المسلمين عموماً، فقد دفعني الى مد يدي له فبايعته بالخلافة والملك، عالماً علم اليقين ، أن الممالك الاسلامية في الشرق لاتسلم من شراك أوروبا، ولا من السعي وراء اضعافها وتجزئتها ، وفي الأخير ازدرائها واحدة بعد أخرى، إلا بيقظة وانتباه عمومي وانضواء تحت راية الخليفة الأعظم...) نفس المرجع ص137.
في روسيا القيصرية
ارتحل الافغاني الى الهند "مركز الاستعمار الانكليزي في الشرق" و سكن "حيدر آباد" الدكن ، حيث استضافته الحكومة البريطانية في الهند الى حين انتهاء أمر الثورة العرابية.، و بما أن الأفغاني كان حيثما يحل يؤسس الجمعيات السرية وينشرها، فقد أنشأ أثناء إقامته في الهند جمعية "العروة الوثقى" الماسونية السرية التي امتد نشاطها إلى الشام ومصر والسودان وتونس ومن خلال هذه الجمعيات السرية بث الأفغاني روح الثورة على المجتمعات الإسلامية بدعوى إصلاحها من الفساد. وأخبار تلك الجمعية السرية موجودة عند أخلص تلاميذ الأفغاني وهو الشيخ محمد عبده الذي نشر له الباحث الجاد المرحوم علي شلش في سلسلة الأعمال المجهولة نصاً يقول فيه الشيخ محمد عبده ـ معترفاً ـ بجمعية (حيدر أباد) في رسالة له إلى استاذه جمال الدين الأفغاني، تحمل تاريخ الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 1884 ميلادية، كتبها من تونس:
«
استطعت أن ألتقي هنا العلماء ورجال الدين، وقد عرَّفتهم بنا، وقلت لهم: إن العروة ليست اسم الصحيفة، وإنما اسم جمعية أسسها السيد في حيدر أباد ولها فروع في كثير من الأقطار لا يدري أحدها عن الآخر شيئاً، ولا يعرف هذه الفروع إلا الرئيس وحده، كما قلت لهم إننا نرغب اليوم بتأسيس فرع جديد في هذا البلد». "سلسلة الأعمال المجهولة" علي شلش .و في الهند كتب الافغاني رسالته في "الرد على الدهريين" مع أنه كما يذكر أساطين اهل العلم في عصره كان من كبار الذاهبين الى الدهرية و الالحاد .في لندن (المرة الأولى) :ـ بعد أن ثبت اخفاق الثورة العرابية ، واحتلال الإنجليز مصر ،و نظراً لنجاح الافغاني في التمهيد للاحتلال الانكليزي لمصر فقد رأت الحكومة البريطانية استدعاء الافغاني لوضع خطة كبرى للقضاء على الخلافة العثمانية ، فغادر الافغاني الهند الى لندن ، حيث أقام بها أياماً معدودات ، كما قامت بريطانيا أيضاً باستدعاء مهندس الثورة العرابية في مصر الجاسوس الشهير المستر بلنت ، و الذي كان مقيماً في مصر و مشرفاً على تنظيم الثورة العرابية بالتنسيق مع محمد عبده تلميذ الافغاني .و في لندن عقد الافغاني سلسلة اجتماعات مع الجاسوس الانكليزي الشهير بلنت في وزارة الخارجية الانكليزية و تمخضت تلك الاجتماعات عن خطة مرسومة بكل دقة للقضاء على الخلافة العثمانية عن طريق استثارة الشعوب رالعربية بإذكاء النعرة القومية لديهم ضد "الحكم التركي"، إلاَّ أن المخابرات العثمانية استطاعت الحصول على اخبار تلك الخطة ، فقد ذكر السلطان عبدالحميد في مذكراته ما نصُّه :
(
وقعت في يدي خطة أعدها في وزارة الخارجية الإنكليزية مهرج اسمه جمال الدين الأفغاني وإنكليزي يُدعى بلنت قالا فيها بإقصاء الخلافة عن الاتراك. واقترحا على الانكليز إعلان الشريف حسين أمير مكة خليفة على المسلمين) .انظر: مذكرات السلطان عبدالحميد، ص 148.في باريس :ثم انتقل الافغاني إلي باريس، فأقام بها ثلاثة اعوام منذ عام 1883- الى 1885م ، وكان الافغاني ـ قبل مغادرته مصر ـ قد أوكل مهمة الاشراف على الثورة العرابية إلى تلميذه الأكبر الشيخ محمد عبده ، و الذي أتمها على حسب المخطط ، و من ثمَّ ـ و عقب إخماد الثورة ـ "نفاه" الاستعمار الانكليزي الى بيروت ، ليستدعيَه الافغاني الى باريس ، فوافاه الشيخ محمد عبده هنالك .وهناك واصلا عملهما السري من خلال جمعيتهما (العروة الوثقى )التي أنشأها الافغاني في الهند قبل ذلك ، و من ثَمَّ أصدر جريدة (العروة الوثقى ) عام 1300هـ 1884م، و التي شاركهما في الاشراف عليها تلميذه الميرزا محمد الباقر ، و الذي كان من من كبار الماسون ، وقد سميت الجريدة باسم الجمعية التي أنشأتها ، و التي تقوم بإصدارها .

ليست هناك تعليقات: