فالجواب من وجوه ستة :الأول : أنها كانت عيناً متخيلة ، لا حقيقة لها ، و هذا القول باطل . لأنه يؤدي إلى أن ما يراه الأنبياء . من صور الملائكة لا حقيقة لها ، و هذا مذهب السالمية .الثاني : أنها كانت عيناً معنوية فقأها بالحجة ، و هذا مجاز لا حقيقة له .الثالث : أنه لم يعرفه ، و ظنه رجلاً دخل منزله بغير إذنه ، يريد نفسه فدافع عنها ، فلطمه : ففقأ عينه ، و تجب المدافعة في مثل هذا بكل ممكن ، و هذا وجه حسن ، لأنه حقيقة في العين و الصك ، قاله الإمام أبو بكر بن خزيمة إلا أنه اعترض بما في الحديث نفسه ، و هو أن ملك الموت عليه السلام لما رجع إلى الله تعالى ، قال : يا رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ، فلو لم يعرفه موسى لما صدر هذا القول من ملك الموت .الرابع : أن موسى عليه السلام كان سريع الغضب ، و سرعة غضبه كانت سبباً لصكه ملك الموت ، قاله ابن العربي في الأحكام ، و هذا فاسد ، لأن الأنبياء معصومون أن يقع منهم ابتداء مثل هذا في الرضا و الغضب .الخامس : ما قاله ابن مهدي رحمه الله : أن عينه المستعارة ذهبت لأجل أنه جعل له أن يتصور بما شاء ، فكأن موسى عليه السلام لطمه و هو متصور بصورة غيره بدلالة أنه رأى بعد ذلك معه عينه .السادس : و هو أصحها إن شاء الله ، و ذلك أن موسى عليه السلام كان عنده ما أخبر تبيناً عليه السلام من أن الله تعالى لا يقبض روحه حتى يخيره ـ خرجه البخاري و غيره ـ فلما جاءه ملك الموت على غير الوجه الذي أعلم بادر بشهامته و قوة نفسه إلى أدبه . فلطمت ففقئت عينه امتحاناً لملك الموت . إذ لم يصرح له بالتخير ، و مما يدل على صحة هذا : أنه لما رجع إليه ملك الموت فخيره بين الحياة و الموت . اختار الموت و استسلم ، و الله بغيبه أعلم و أحكم ، و ذكره ابن العربي في قبسه بمعناه و الحمد لله
التذكر في أحوال الموتى / القرطبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق