الحكمه من قطع يد السارق وعدم قطع فرج الزاني

وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الْقَطْعَ بِإِزَاءِ فَسَادِ الْأَمْوَالِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَمْوَالَ فِي الِاخْتِفَاءِ ، وَيُنَقِّبُ الدُّورَ ، وَيَتَسَوَّرُ مِنْ غَيْرِ الْأَبْوَابِ ، فَهُوَ كَالسِّنَّوْرِ وَالْحَيَّةِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ ، فَلَمْ تَرْتَفِعْ مَفْسَدَةُ سَرِقَتِهِ إِلَى الْقَتْلِ ، وَلَا تَنْدَفِعُ بِالْجَلْدِ ، فَأَحْسَنُ مَا دُفِعَتْ بِهِ مَفْسَدَتُهُ إِبَانَةُ الْعُضْوِ الَّذِي يَتَسَلَّطُ بِهِ عَلَى الْجِنَايَةِ ، وَجُعِلَ الْجَلْدُ بِإِزَاءِ إِفْسَادِ الْعُقُولِ وَتَمْزِيقِ الْأَعْرَاضِ بِالْقَذْفِ .
لماذا لا يفْسَدَ عَلَى الزَّانِي فَرْجَهُ الَّذِي بَاشَرَ بِهِ الْمَعْصِيَةَ؟

الداء و الدواء/ابن القيم

فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا أَفْسَدَ عَلَى الزَّانِي فَرْجَهُ الَّذِي بَاشَرَ بِهِ الْمَعْصِيَةَ .
قِيلَ : لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ مَفْسَدَةَ ذَلِكَ تَزِيدُ عَلَى مَفْسَدَةِ الْجِنَايَةِ ، إِذْ فِيهِ قَطْعُ النَّسْلِ وَتَعْرِيضُهُ لِلْهَلَاكِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْفَرْجَ عُضْوٌ مَسْتُورٌ ، لَا يَحْصُلُ بِقَطْعِهِ مَقْصُودُ الْحَدِّ مِنَ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ لِأَمْثَالِهِ مِنَ الْجُنَاةِ ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ يَدَهُ أَبْقَى لَهُ يَدًا أُخْرَى تُعَوِّضُ عَنْهَا ، بِخِلَافِ الْفَرْجِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ لَذَّةَ الزِّنَا عَمَّتْ جَمِيعَ الْبَدَنِ ، فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ تَعُمَّ الْعُقُوبَةُ جَمِيعَ الْبَدَنِ ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِهَا بِبُضْعَةٍ مِنْهُ .