قال عمر بن أحمد ابن العديم ( ت 660 هـ ) في " بغية الطلب من تاريخ حلب " : أخبرني أبو محمد عبد اللطيف بن محمد بن أبي الكرم بن المعلى السنجاري، قال : أخبرني أبي، قال : كان بالموصِل رجلٌ من أهل الصلاح ينكر المنكر أين رآه، فإنْ رأى خمراً أراقه أو رأى جنكاً أو عوداً كسره، فيُضرب على ذلك، فيجلس في بيته ويداوي أثر الضرب ثم يخرج، فإنْ رأى منكراً أنكره على عادته، فيُضرب ضرباً عنيفاً، فيجلس في البيت على العادة ويداوي نفسه إلى أن يبرئ، ويخرج وينكر على عادته، فاتفق يوماً من الأيام أنْ خرج فنظر إلى دجلة وزنكي بن آق سنقر راكب في شبارة وعنده مغنية تغني وهو يشرب وعنده جماعة، فنزع ذلك الرجل ثيابه وسبح وجاء إلى الشبارة التي فيها زنكي، فعلق يده فيها ليصعد، فقال بعض من مع زنكي : أأضرب يده بالسيف ؟ فقال : لا، اتركه، فتعلّق وصعد فجلس، فأشار ذلك الشخص إلى زنكي : أأضربه ؟ فقال : لا، اتركه، فقعد في الشبارة وأخذ الجنك وقطع أوتاره، ثم أخذ الأقداح وصبّها في دجلة وغسلها بالماء وتركها في الشبارة وألقى جميع ما ثم من الخمر في الماء وغسل الآنية وتركها، ثم مد يده إلى إزار المغنية فأخذها وسترها به، ثم ألقى بنفسه في دجلة وسبح وعبر ولم يكلمه زنكي كلمة، وأما زنكي فإنه لما سبح ذلك الرجل وعبر قال : نرجع وندخل إلى دورنا فليس لنا في هذا اليوم اشتغال بما كنا فيه، وأمر الملّاحين فأتوا بالشبارة إلى داره فنزل فيها، قال : وأما الرجل الذي كان ينكر فكان بعد ذلك إذا أنكر المنكر لا يتجاسر أحد على ضربه، وإذا رأوه مقبلاً لينكر عليهم انهزموا منه واختفوا من طريقه، ولما مات غلِّقت أسواق الموصل لحضور جنازته رحمه الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق