بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 20 أبريل 2012

مراحل حياة العالِم، وأوقات تصنيف الكتب وفضيلته

قال ابن الجوزي ( ت 597 هـ ) في كتابه " صيد الخاطر " : فصل العالم ومراحل حياته :رأيت من الرأي القويم أن نفع التصانيف أكثر من نفع التعليم بالمشافهة، لأني أشافه في عمري عدداً من المتعلمين، وأشافه بتصنيفي خلقاً لا تحصى ما خلقوا بعد، ودليل هذا أن انتفاع الناس بتصانيف المتقدمين أكثر من انتفاعهم بما يستفيدونه من مشايخهم، فينبغي للعالم أن يتوفر على التصانيف إن وفق للتصنيف المفيد، فإنه ليس كل من صنف صنف، وليس المقصود جمع شيء كيف كان، وإنما هي أسرار يطلع الله عز وجل عليها من شاء من عباده ويوفقه لكشفها، فيجمع ما فرق، أو يرتب ما شتت، أو يشرح ما أهمل، هذا هو التصنيف المفيد .وينبغي اغتنام التصنيف في وسط العمر، لأن أوائل العمر زمن الطلب، وآخره كلال الحواس، وربما خان الفهم والعقل من قدر عمره، وإنما يكون التقدير على العادات الغالبة لا أنه لا يعلم الغيب فيكون زمان الطلب والحفظ والتشاغل إلى الأربعين، ثم يبتدىء بعد الأربعين بالتصانيف والتعليم، هذا إذا كان قد بلغ ما يريد من الجمع والحفظ وأعين على تحصيل المطالب، فأما إذا قلَّت الآلات عنده من الكتب، أو كان في أول عمره ضعيف الطلب فلم ينل ما يريده في هذا الأوان، أخَّر التصانيف إلى تمام خمسين سنة، ثم ابتدأ بعد الخمسين في التصنيف والتعليم إلى رأس الستين، ثم يزيد فيما بعد الستين في التعليم ويسمع الحديث والعلم ويعلِّل التصانيف إلى أن يقع مهم إلى رأس السبعين، فإذا جاوز السبعين جعل الغالب عليه ذكر الآخرة والتهيؤ للرحيل، فيوفِّر نفسه على نفسه إلا من تعليم يحتسبه، أو تصنيف يفتقر إليه، فذلك أشرف العدد للآخرة .ولتكن همّته في تنظيف نفسه، وتهذيب خلاله، والمبالغة في استدراك زلاته، فإن اختُطِف في خلال ما ذكرنا فنيَّة المؤمن خير من عمله، وإن بلغ إلى هذه المنازل فقد بينا ما يصلح لكل منزل .



ليست هناك تعليقات: