ازدحَمت
بهم الطرقات وكَأنهم يُساقون سوقاً إلى تلك الساحه الكبيره شِيباً وشُباناً جاءوا
مُبكرين لعلهم يحظون بإطلالهٍ عليه من مشهدٍ قريب ، في الساحه شُرطٌ وأعوان وهُناك
يجلسُ السلطان مركباتُ حملت شِعار الدوله فزادت من هيبة المكان ،رجالٌ يترجلون من
تلك المركبات يسوقونه معهم مُكبل اليدين مُغمض العينين خائر القوى هَزيل البدن
بالكاد يستطيع المشي وكأن لحظات العمر كُله يُمررها في مخيلته منذ أن كان صَغيراً
فيافعاً حتى تلك اللحظه التي حضر فيها الشيطان بخَيلِه ورَجله ، هُناك سيفٌ وسيافُ
وأم تبكي ورجلُ يتنقل بين أولياء الدم فلعل منظر السيف والنطع يشفع فيكون العفو
أسرع من القصاص فيحتضن فلذة كبده من جديد
وبلحظةِ
صمت وبخطى ثابته اقترب السيافُ رفع سيفه والتقط الاشاره وبِسُرعة خاطفة هوى سيفه
المصلت على عنق ذالك الشاب فتدحرج الرأسُ
وتدحرجت معه الآم وآمال لكلا القاتل والمقتول وأسرتيهما كانت أُمه تبحث له
عن عروس تؤنس وحدته وترى فيه مستقبل العالم وتلمح طفلاً صغيراً يحبو بقربها
فتحتضنه ، لم يكن ذلك حُلمها وحدها بل وأم المقتول أيضاً كانت تنتظرما تنتظره تلك
وفي لحظهٍ تبددت أحلامهما أمام خطِ رفيعٍ يفصل بين الموت والحياه
شخصٌ
هناك يتلو بيان وزاره الداخليه قال الله تعالى "يا أيها الذين امنوا كتب عليكم القصاص في
القتلى " وقال تعالى " ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب " ... فهلل
الجمعُ وكبر زغردت أم القتيل وقد ذاقت نشوة الانتصار وبكت أم المقتول وعيناها مازالتا
مصوبتين على رأس فلذةِ الكبد
كُل
هذا الجمع وهذه الضجه لتعلم أنك لست بالرخيص عند ربك لأن القاتل
قتل النفس التي حرَّم الله تعالى إلا بالحق وذاك من اكبر الكبائر ومن أفظع الأعمال
جرمًا وأكبرها إثمًا كيف لا والله سبحانه وتعالى يتوعد بقوله (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا
مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)
ما أشده من وعيد يزلزل الجبال
الراسيات ماذا لوتجرع جرعة من حلم فكظم غيظه وعفا عن أخيه فقال كما قال ابن ادم
لأخيه لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا
أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ
الْعَالَمِينَ أو كان كما قال صلى الله
عليه وسلم مَن كظم غيظاً وهو يقدرعلى أن
ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء
وما أجمل ما قال ابن تيمية –رحمه الله تعالى في هذا الباب
" ما تجرع عبدٌ جرعةً أعظم من جرعة حلم عند الغضب ، وجرعة صبر عند المصيبة ،
وذلك لأن أصل ذلك هو الصبر على المؤلم ، وهذا هو الشجاع الشديد الذي يصبر على
المؤلم ، والمؤلم إن كان مما يمكن دفعه أثار الغضب ، وإن كان مما لا يمكن دفعه
أثار الحزن ، ولهذا يحمر الوجه عند الغضب لثوران الدم عند استشعار القدرة ، ويصفر
عند الحزن لغور الدم عند استشعار العجز "
اليس ذاك خير له من أن
يقتل أخيه في لُعاعهٍ من الدنيا فيستبدل الذي هو شر بالذي هو خير جنات عرضُها
السموات والأرض ومحبته سبحانه وتعالى بجهنم خالدا فيها
الم يعلم أن الغضب سبَب كُل بلاء وان مَع الحلم العافيه ! وهو كَما
قال ابن القيم رحمه الله تعالى " ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغَضَب
والشَهوة , وكان نهاية قوة الغَضب القَتل , ونِهاية قوة الشهوة الزنى جَمع الله
تعالى بين القتل والزنى , وجَعلهما قرينين في سُورة الأنعام , وسورة الإسراء ,
وسورة الفرقان , وسورة الممتحنة , والمقصود أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون
به شر قوتي الغَضب والشَهوة من الصَلاة والاستعاذة "
سُكبت العَبرات وبَقيت الحَسرات وهاهم الجمع يولون الدُبر
تاركين نجم الليله مجندلاً في مسرح القصاص
أردتهُ " ساعة شَيطان"....
هناك تعليقان (2):
بسم الله الرحمن الرحيم
جزيت خيرا وبوركت وسلمت من كل شر
أماني
حياكم الله وانت كذلك
إرسال تعليق