بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 1 يناير 2012

المؤمن هو من إذا اشتد البلاء زاد إيماناً

   ليس المؤمن بالذي يؤدي فرائض العبارات صورة ، و يتجنب المحظورات فحسب .    إنما المؤمن هو الكامل الإيمان ، لا يختلج في قلبه اعتراض ، و لا يساكن نفسه فيما يجري و سوسة .
   
و كلما اشتد البلاء عليه زاد إيمانه وقوي تسليمه .
   
و قد يدعو فلا يرى للإجابة أثراً ، و سره لا يتغير لأنه يعلم أنه مملوك و له مالك يتصرف بمقتضى إرادته .
   
فإن اختلج في قلبه اعتراض خرج من مقام العبودية إلى مقام المناظرة ، كما جرى لإبليس .
   
و الإيمان القوي يبين أثره عند قوة البلاء .
   
فأما إذا رأينا مثل يحيى بن زكريا تسلط عليه فاجر فيأمر بذبحه فيذبح و ربما اختلج في الطبع أن يقول فهلا ردعنه من جعله نبياً ؟ .
   
و كذلك كل تسلط من الكفار على الأنبياء و المؤمنين و ما وقع رد عنهم ، فإن هجس بالكفر أن القدرة تعجز عن الرد عنهم كان كفراً .
   
و إن علم أن القدرة متمكنة من الرد و ما ردت و يجوع المؤمن و يشبع الكفار ، و يعافي العصاة . و يمرض المتقين ، لم يبق إلا التسليم للمالك و إن أمض و أرمض .
   
و قد ذهب يوسف بن يعقوب عليهما السلام فبكى يعقوب ثمانين سنة ثم لم ييأس، فلما ذهب ابنه الآخر قال : عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً .
   
و قد دعا موسى عليه السلام على فرعون ، فأجيب بعد أربعين سنة .
   
و كان يذبح الأنبياء و لا ترده القدرة القديمة العظيمة ، و صلب السحرة ، و قطع أيديهم .
   
و كم من بلية نزلت بمعظم القدر ، فلما زاده ذلك إلا تسليماً و رضى فهناك يبين معنى قوله : و رضوا عنه
   
و ههنا يظهر قدر قوة الإمان لا في ركعات .
   
قال الحسن البصري : [ استوى الناس في العافية ، فإذا نزل البلاء تباينوا ] .
هذا آدم طاب عيشه في الجنة و أخرج منها .
   
و نوح سأل في إبنه فلم يعط مراده . و الخليل إبتلى بالنار . و إسماعيل بالذبح و يعقوب بفقد الولد . ويوسف بمجاهدة الهوى ، و أيوب بالبلاء . و داود و سليمان بالفتنة ، وجميع الأنبياء على هذا . و أما ما لقي نبينا محمد صلى الله عليه و سلم من الجوع و الأذى و كدر العيش فمعلوم .
   
فالدنيا و ضعت للبلاء ، فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه على الصبر ، و أن يعلم أن ما حصل من المراد فلطف ، و ما لم يحصل فعلى أصل الخلق و الجبلة للدنيا ، كما قيل :
   
طبعت على كدر و أنت تريدها       صفواً من الأقذاء و الأكدار
   
و مكلف الأيام ضد طباعها       متطلب في الماء جذوة نار
   
و ها هنا تتبين قوة الإيمان و ضعفه ، فليستعمل المؤمن من أدوية هذا المرض التسليم للمالك ، و التحكيم لحكمته .
   
و ليقل . قد قيل لسيد الكل : ليس لك من الأمر شيء .
   
ثم ليسل نفسه بأن المنع ليس عن بخل ، و إنما هو لمصلحة لا يعلمها ، و ليؤجر الصابر عن أغراضه ، و ليعلم الله الذين سلموا و رضوا .
   
و إن زمن الإبتلاء يسير ، و الأغراض مدخر تلقى بعد قليل ، و كأنه بالظلمة قد إنجلت ، و بفجر الأجر قد طلع . و متى إرتقى فهمه إلى أن ما جرى مراد الحق سبحانه ، إقتضى إيمانه أن يريد ما يريد ، و يرضى بما يقدر ، إذ لو لم يكن كذلك كان خارجاً عن حقيقة العبودية في المعنى .
   
و هذا أصل ينبغي أن يتأمل و يعمل عليه في كل غرض إنعكس .

ليست هناك تعليقات: