بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 9 يناير 2012

تدَّبرتُ هذه الآية فلاحت لي منها إشارةٌ كدتُ أطيشُ منها !

قرأت هذه الآية: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} [الأنعام: 46] ، فلاحت لي منها إشارة كدت أطيش منها، وذلك أنه:
إن كان عني بالآية نفس السمع والبصر، فإن السمع آلة لإدراك المسموعات، والبصر آلة لإدراك المبصرات، فهما يعرضان ذلك على القلب، فيتدبر ويعتبر؛ فإذا عرضت المخلوقات على السمع والبصر، فأوصلا إلى القلب أخباره، من أنها تدل على الخالق، وتحمل على طاعة الصانع، وتحذر من بطشه عند مخالفته.
وإن عنى معنى السمع والبصر؛ فذلك يكون بذهولهما عن حقائق ما أدركا شُغْلًا بالهوى، فيعاقب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات، فيرى، وكأنه ما رأى، ويسمع، وكأنه ما سمع، والقلب ذاهل عما يتأذى به
فيبقى الإنسان خاطئًا على نفسه، لا يدري ما يراد به، لا يؤثر عنده أنه يبلى، ولا تنفعه موعظة تجلى، ولا يدري أين هو، ولا ما المراد منه، ولا إلى أين يحمل؛ وإنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته، ولا يتفكر في خسران آجلته، لا يعتبر برفيقه، ولا يتعظ بصديقه، ولا يتزود لطريقة،
كما قال الشاعر:الناس في غفلةٍ والموت يوقظهمْ ... وما يفيقون حتَّى ينفد العُمُرُ
يشيعون أهاليهمْ بجمْعهمُ ... وينظرون إلى ما فيه قد قبرُوْا
ويرجعون إلى أحلام غفلتِهِمْ ... كَأَنَّهُمْ مَا رَأَوْا شَيْئًا وَلَا نَظَرُوْا
وهذه حالة أكثر الناس، فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات، فإنها أقبح الحالات. اهـ


ابن الجوزي في صيد الخاطر

ليست هناك تعليقات: