بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 فبراير 2012

طبائع البشر وكلام قيم لإبن القيم



فأما مشهد الحيوانية وقضاء الشهوة فمشهد الجهال الذين لا فرق بينهم وبين سائر الحيوان إلا في اعتدال القامة ونطق اللسان ,ليس همهم إلا مجرد نيل الشهوة بأي طريق أفضت إليها فهؤلاء نفوسهم نفوس حيوانية لم تترق عنها إلى درجة الإنسانية, فضلا عن درجة الملائكة فهؤلاء حالهم أخس من أن تذكر وهم في أحوالهم متفاوتون بحسب تفاوت الحيوانات التي هم على أخلاقها وطباعها 

**
فمنهم من نفسه كلبية لو صادف جيفة تشبع ألف كلب لوقع عليها و حماها من سائر الكلاب و نبح كل كلب يدنو منها , فلا تقربها الكلاب إلا على كره منه و غلبة, و لا يسمح لكلب بشيء منها و همه شبع بطنه من أي طعام اتفق ميتة أو مذكى, خبيث أو طيب ,و لا يستحى من قبيح
إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ,إن أطعمته بصبص بذنبه و دار حولك, و إن منعته هرك ونبحك 


**
ومنهم من نفسه حمارية لم تخلق إلا للكدر والعلف ,كلما زيد في علفه زيد في كده
أبكم الحيوان وأقله بصيرة
و لهذا مثل الله سبحانه وتعالى به من حمله كتابه فلم يحمله معرفة و لا فقها و لا عملا 
و مثل بالكلب عالم السوء الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها وأخلد إلى الأرض واتبع هواه وفي هذين المثلين أسرار عظيمة ليس هذا موضوع ذكرها

**
و منهم من نفسه سبعية غضبية همته العدوان على الناس و قهرهم بما وصلت إليه قدرته 
طبيعته تتقاضى ذلك كتقاضي طبيعة السبع لما يصدر منه 


**
و منهم من نفسه فأرية فاسق بطبعه مفسد لما جاروه تسبيحه بلسان الحال:
سبحان من خلقه للفساد 


**
و منهم من نفسه على نفوس ذوات السموم و الحمات كالحية و العقرب و غيرهما 
و هذا الضرب هو الذي يؤذي بعينه فيدخل الرجل القبر والجمل القدر 
و العين وحدها لم تفعل شيئا ,و إنما النفس الخبيثة السمية تكيفت بكيفية غضبية مع شدة حسد و إعجاب و قابلت المعين على غرة منه وغفلة وهو أعزل من سلاحه فلدغته كالحية التي تنظر إلى موضع مكشوف من بدن الإنسان فتنهشه فإما عطب وإما أذى
و لهذا لا يتوقف أذى العائن على الرؤية والمشاهدة بل إذا وصف له الشيء الغائب عنه وصل إليه أذاه 
و الذنب لجهل المعين و غفلته و غرته عن حمل سلاحه كل وقت
فالعائن لا يؤثر في شاكي السلاح ,كالحية إذا قابلت درعا سابغا على جميع البدن ليس فيه موضع مكشوف فحق على من أراد حفظ نفسه وحمايتها أن لا يزال متدرعا متحصنا لابسا أداة الحرب مواظبا على أوراد التعوذات والتحصينات النبوية التي في القرآن والتي في السنة 
وإذا عرف الرجل بالأذى بالعين ساغ بل وجب حبسه وإفراده عن الناس ويطعم ويسقي حتى يموت ذكر ذلك غير واحد من الفقهاء ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف لأن هذا من نصيحة المسلمين ودفع الأذى عنهم ولو قيل فيه غير ذلك لم يكن بعيدا من أصول الشرع 


**
ومن الناس من طبعه طبع خنزير يمر بالطيبات فلا يلوى عليها فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمه 
و هكذا كثير من الناس يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوىء فلا يحفظها ولا ينقلها و لا تناسبه فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها فجعلها فاكهته و نقله 


**
و منهم من هو على طبيعة الطاوس ليس له إلا التطوس والتزين بالريش وليس وراء ذلك من شيء 


**
و منهم من هو على طبيعة الجمل أحقد الحيوان وأغلظه كبدا 


**
و منهم من هو على طبيعة الدب أبكم خبيث وعلى طبيعة القرد 


=
و أحمد طبائع الحيوانات طبائع الخيل التي هي أشرف الحيوانات نفوسا وأكرمها طبعا و كذلك الغنم و كل من ألف ضربا من ضروب هذه الحيوانت اكتسب من طبعه وخلقه
فإن تغذى بلحمه كان الشبه أقوى فإن الغاذي شبيه بالمغتذى 
ولهذا حرم الله أكل لحوم السباع وجوارح الطير لما تورث آكلها من شبه نفوسها بها والله أعلم

مدارج السالكين

ليست هناك تعليقات: